الجزء الأول
على الجانب الآخر
---------------------
انحدرت
الدمعة الساكنة فى عينىِ منذ مدة!
كنتُ أعتقد أنني أصبحتُ غليظة القلب، فاترة المشاعر،
لمجرد أن الدموع توقفت وتحجرت في عينيّ
ولكن فى هذا اليوم الشتوي تحديداً، وجدت الدموع تنهمر،
تنهمر بغزارة حينما رأيت طفلاً على كتف أمه يبكي في
صمت وهى تحمله، تهرع به مذعورة ومسرعة نحو المجهول.
لحظتها! لحظتها فقط عرفتُ كم المشاعر المتباينة داخل
قلبي المرهف الباكي.
كان
يا ما كان يا سعد يا كرام ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام.
كان فى بنت اسمها صفاء، تعيش وسط أسرة ممتدة بحي
المطرية، هذه البنت منذ الصغر وهى متمردة على الوضع المحيط بها، ترفض كل استبداد تقوم
به (الجدة) من ممارسة آليات القهر على المرأة (الأم)، ودائما تقول لماذا تفعل جدتي
كل هذه المماراسات على أمي؟ وأمي تستجيب فى طاعة وصمت.
وبما أنها الإبنة الكبرى، فرأت ما لم يره الصغار من
ظلم، سلبية (الأب) تجاه أمه وطاعته لها، وصمت الأم تجاه الشقاء والقهر. فقررت
البنتُ الصغيرة أن تسلكَ طريقاً مختلفاً تماماً وهو(التعليم/النجاح/العمل) فظلت
هذه الأحلام تداعب مخيلة الصغيرة، وبالفعل حققت الثلاثة أشياء كما حلمت، وكلما
كانت تنجح تُبعد عنها طابوراً طويلاً من أزواج المستقبل المحتملين، منهم من سافر
إلى الخليج وظل يجمع ثروة كي ترضى به، بينما ظلت هي تنجح و ترفضه! واصلت
طريقها حتى صارت مُعلمة، اختارت هذه المهنة بنفسها كي تشجع البنات على التعليم و
النجاح، فأصبحت أيقونة لهن، يفعلن ما تفعل، لدرجة أن هناك طالبة طلبت من أمها أن
تقص لها شعرها (كاريه) مثل المُعلمة، وظلت هذه المُعلمة تواصل النجاح والعلم
والعمل(الثالوث المقدس) حتى
أصبحت مديرة المَدرسة التي تعمل بها، وحققت أقصى طموح لأي امرأة عاملة وحققت قيم (الخير
والعدل والجمال).
على الجانب الآخر!
كان هناك حلماً
يسير متوازياً مع خط العمل وهو(الإبداع) فأصبحت كاتبة.
المهم.
هذه البنت المتمردة.
كانت تبحثُ دوما عن رجلٍ مختلف!
تبحث في جميع الوجوه المحيطة بها.
فهى لا تريد رجلاً عادياً!
أو الزواج لمجرد الزواج!
خاصة وأنها أصبحت مستقلة(مادياً وفكرياً)، لها(غرفة
خاصة بها) من قبل أن تقرأ كتاب فرجينيا وولف (غرفة تخص المرء وحده)؛ وهى في طريق البحث
والندوات، ألتقت بالشاعر مجدي الجابري فى عام 1984،كان يأتي إلى ندوة المنشية
الجديدة بشبرا الخيمة، ثم أصبح يأتي ندوة بهتيم برفقة صديقه الشاعر(محمود
الحلواني) ولكنه يأتي على فترات متباعدة، وليس بأنتظام كامل. وفى آخر ندوة في نهاية ديسمبر يوم31 عام 87، طلب هو من هذه البنت أن
يلتقيا فى يوم الجمعة، أول يناير 88، على محطة أتوبيس 26 بالمظلات في تمام الساعة
12ظهراً.
وبما أنه كان ساهراً في ليلة رأس السنة عند صديقه(مجاهد
الطيب)فقد نسى الموعد. وظلت هى واقفة في انتظاره حتى الساعة الثانية ظهرا!
ساعتان في إنتظاره!
نعم!
وهى الأنفة التي كانت لا تحتمل الانتظار أكثر من عشرة
دقائق! لماذا
ظلت واقفة فى انتظاره؟ ولم تفقد الأمل في حضوره؟! كان هناك هاجسا داخليا يدفعها إلى
الانتظار. بعد
مرور أكثر من ساعتين، جاء بالفعل! وذهبا معا إلي نقابة المعلمين ببرج القاهرة، مكان ساحر وجميل، يطل على النيل(الإله
حابي)الذي سوف يرعى هذه اللحظة ويعظمها. وتزوجا فى 18أغسطس 88 وعاشا حياة
فيها كثير من الحرية والإبداع والحب. لقد تحقق حلم البنت الصغيرة أن
أصبحت مختلفة عن صمت الأم، وتسلّط الجدة.
بَنت بيتاً صغيراً، مريحاً، ويسع الأحباب والأصدقاء.
وكانت تقام فيه ندوة كل يوم (جمعة).
مجدي الجابري
شحاتة العريان
مجاهد الطيب
محمد بهنسي
مصطفى عباس.
وأصدر مجدي الجابري عام 1990 ديوان(أغسطس)طبعة خاصة،
إصدارات مصرية من إشراف عبد العزيز جمال الدين. وأصدرت صفاء مجموعة قصص(تلكَ
القاهرة تغريني بسيقانها العارية)عن نفس الدار بمنطق كتفاً بكتفِ. وجاءت حرب
الخليج الأولى عام 1990. غزو
صدام حسين للكويت.
وأقيمت الندوات والمؤتمرات، وتغيرت وجهة النظرعند
الجميع، وخاصة مجدي الجابري الذي كتب قصيدة (الفضيحة)ثم قصيدة(الفضيحة لازم
تكمل)وكان لا بد من كتابة جديدة ومختلفة. فأصدر ديوان(عيل بيصطاد
الحواديت)عن سلسلة إبداعات، الهيئة العامة لقصور الثقافة وأصدرت صفاء مجموعة(أشياء صغيرة
وأليفة) سلسلة أصوات أدبية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1996.
مرض مجدي ثم دخل معهد الأورام حتى توفى.
وقبيل
وفاته بثلاثة أيام صدر له ديوان(الحياة مش بروفة)عن سلسلة أصوات أدبية، الهيئة
العامة لقصور الثقافة أعدته للنشر صفاء عبد المنعم. ورحل بعد أن ترك طفلتين
صغيرتين. هاميس
التى لم تكمل السابعة من العمر وميّ
عام وثمانية أشهر.
كان
الحلم القديم الذي حلما به معاً، أن البنتين تدخلا معهدي(الباليه والموسيقى)بأكاديمية
الفنون، ولكن بعد ذلك تغير الحلم.
هاميس ألتحقت بكلية العلوم قسم(بيو كيميستري Biochemistry)بناء على رغبتها، أما ميّ فالتحقت بكلية (العلاج الطبيعي)جامعة
القاهرة بناء على التنسيق، فرقت نصف في المائة عن طب بشري.
ولكن ظل حلم الفن يراودهما(ابن الوز عوام)فانضمت هاميس
إلى مسرح الجامعة، لتمثل، وتصمم ملابس و تعمل مكياج وحصلت على العديد من
الجوائز. وكذلك
ميّ انضمت إلى مسرح الجامعة لتمثل وتعمل مكياج، وأصبحت رئيسة الفريق، وكذلك
رئيسة إتحاد الطلبة، واشتركت أيضا في برنامج
العباقرة.
لماذا المسرح؟
لأنه أبو الفنون؟
مجدي كان في فريق مسرح الجامعة يمثل ويكتب أشعارا
ومسرحيات!
وبرعتا مثله..
الحمد لله، إن وفاة أبيهما وغيابه عنهما لم يحجب حضوره.
كان دائماً معهما لحظة بلحظة في
السراء/ النجاح، وفي
الضراء/المرض. ولم
يتركهن أبداً طوال الخمس وعشرين سنة الماضية. كان إلي جانبهن طوال الوقت. في عام
2014، أجرت صفاء جراحة لإزالة ورم بالثدي...تقول:
(رأيته وأنا بين اليقظة والنوم، عيناه مع
مشرط الجراح، لقد وقف بجواري وهو يتابع إجراء الجراحة بكل صبر ودقة، حتى صعدت إلى
الحجرة، خلته جالساً على طرف السرير ينتظر الإفاقة، وعندما صحوت ظللت أسأل عنه
الجميع.. فين مجدي؟)
لم يره احداً سواي، لقد ظل إلى جواري طويلاً.
منذ عام 2006 إلى عام 2008 تم إجراء ثلاث عمليات لهاميس
وكان بهم بعض الخطورة. رأيته
إلى جواري يجلس ويضع يده على كتفي في تحنان ومودة وصبر. وعندما نجحت مي في الجامعة، كانت ترقص
وتغني"وحياة قلبي وأفراحه"على أنغام الموسيقى هى وصديقتها، رأيته يقف
إلي جوارها ويرقص معها، مطوحاً ذراعيه في الهواء سعيداً، وأنا من فرط الدهشة، أخذت أبكي
بفرحة ومحبة لأني رأيته. وعندما سألتني ميّ : "بتعيطي ليه يا ماما؟"
مسحت دموعي صامتة، حتى لا يهرب من أمامي ويختفي.
وفي الليل وأنا جالسة بمفردي في الحجرة، رأيته مجددا
جالساً إلى جواري، يطبطب على كتفي بكفه الودودة العاشقة، وضحكة كبيرة تملأ وجهه
الجميل.
سلام إلى روحك أيها المحب العاشق الكريم من فرط الدهشة
والحب سلاماً إلى روحكَ الطيبة.
"عبثا حاولتُ إقناعها بأن
تغير من نفسها طالما هى تقدرعلى فعل ذلك وتملك
زمام وشكيمة أمرها.
ولكنها في كل مرة كانت تفر من أمام
عيني، وأراها خارجة من بين الضباب وكتل الثلج المتراكمة فى وحدتها والتي صنعت
ببطْء وبدون وعى منها، أخذت تزداد تراكماً يوماً بعد يوم فوق قلبها الضعيف
وصبي المقهى يقدم لها بعد عناء يوم
كامل في العمل فنجان قهوتها المضبوط والذي تحبه، حدثت نفسها: لماذا أنا تعسة هكذا؟
ومحبطة إلى أقصى درجات الإحباط"؟
مددت
يدي وأخذت أرتشف من فنجاني ببطء شديد وممل، متذوقة بقايا البن المتبقي في قاعه. حتى فوجئت بتحليق سرب من الطيور
البيضاء حولي، وأنا لا أعرف من أين جاء هذا السرب؟ وكيف اخترق كل هذه الحواجز
والمباني العالية المحيطة بالمقهى؟ كل ما عرفته
أن هناك رسالة ما تحاول الطيور أن تخبرني بها!
رحلة/سفر/مال، ربما يكون هو، هو الذي يحيطني دائماً من
كل جانب، ربما يكون موعداً قد فاتني منذ لحظات، فطلبتُ فنجاناً آخر من الجرسون،
وجلست أتلذذ بطعم القهوة المرة الشهية،
واعدة نفسي بلقاء آخر فى يوم ما مع الطيور البيضاء ومعه.
اللي
أنا وهيه اتفقنا
نحمي
بعض م اللي جاي
نفذت
وعدها معايا
بس
نسيت
تحميني
منها
ومني
وعشان كده
لقيتني
باضحك لما شفتها ع الترول
ف أوضة
الولاده
وعلى
دراع الممرضه
حتة لحم بتعيط.