الجمعة، 12 ديسمبر 2014

تعرفت علي مجموعة من الشعراء والمحبين للكتابة، مجدي الجابري، صفاء عبد المنعم، مسعود شومان، محمود الحلواني، ومحمد بهنسي، مجاهد الطيب، إيمان مرسال، عبد الحكم سليمان. وبدأ يتوضح لي شكل جديد من أشكال الثقافة في القاهرة.
كان مجدي الجابري هو المجمع لهؤلاء الأشخاص من خلال ندوة اسبوعية كان يقيمها في بيته في حي الكابلات. نوع من الثقافة المنظمة التي لم أعهدها من قبل، لها جذور ثقافية وسياسية في مجتمع القاهرة الثقافي. المركزية تعطي مشروعية سياسية وثقافية لمجموعة قليلة من الناس، ترشح أكثر الحس الجمعي في التفكير وفي الخطاب. كان يتم اختيار موضوع للنقاش، سواء كان مجموعة قصائد يقوم مجدي بإدارة سمحة بتصويرها وتفريقها كمنشورات علي الشلة، ليتم مناقشتها في الجلسة القادمة.لم تتوقف النقاشات عند هذا الحد، بل امتدت لتاريخ المصريين، وتلك القضايا التي تخص البلد وتاريخها وتاريخ طبقاتها. كانت المناقشات بها هذا الحس السياسي والذي لاينتمي لاتجاه بعينه، ولكنه مرتبط باتجاه إنساني لطبقات اجتماعية وسطي، بدأ دورها يذوي في الحياة العامة في مصر. لذا فقلوبنا لم تكن خالصة فقط للنقاش، بل تراقب مكانها المستقبلي في مجتمع لاينظر إليها. كانت المجموعة تسعي لتكتسب نظرة كلية عن الحياة تمنحها بعض الأمان المفتقد.
ما أتذكره من هذه الجلسات هو طيبة وسماحة صدر وصمت مجدي الجابري، واطباق البطاطس المحمرة نأتي بها من المطبخ القريب من جلستنا، وصواني الشاي والقهوة ومنافض السجائر التي سرعان ماتمتليء عن آخرها، وعلب السجائر المفتوحة في أكثر من مكان، وكما وصفها أسامة في إحدي قصائده التي كتبها عن مجدي الجابري بعد وفاته، والتي كانت تدل علي حديث لن ينتهي إلا بانتهاء هذه العلب المفتوحة، وكذلك أن تتكلم وانت آمن في وجودها. يمكن للسجائر من أن تؤرخ للحظات سعيدة عاشها شعراء وأدباء كثيرون، لايهم الصنف، فالحديث يضفي علي أي شيء مذاقا رائقا. وحتي أسامة نفسه كتب هذا في كتابه الأخير كلبي الهرم.. كلبي الحبيب فقد كان يؤرخ للحظات صفائه وخروجه من نوبات الاعتلال التي كانت تنتابه في الفترات الأخيرة من حياته بمدي إقباله علي التدخين، التدخين كان مؤشر صحة واقبال علي الحياة بدون أن ينتقص منها شيء تحبه. وفي جلساتنا لم يكن لها معني بدون أن يخرج سيجارة من علبة سجائره ويقدمها لي كأنها ثمرة فاكهة، وعندما أصد يده أشعر بعتب صامت لأني لم أشاركه هذه اللحظة استمتاعه بالحياة القصيرة. نعم كانت الحياة قصيرة بحساب العمر، طويلة بحساب علب السجائر المفتوحة علي مصراعيها. وعندما كنت أنصحه بأن يراعي صحته قليلا، كان يبتسم ابتسامة سريعة، ولا أقوي علي المزيد من النصائح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق